ماهو التسامح؟
التسامح ببساطة هو تحرير الشخص أو الموقف فلا يلازم عقلك طوال اليوم بالتفكير فيه "اذهبوا فأنتم الطلقاء" ليست طلقاء من عقوبة أو سجن فقط انما هي طلقاء من حيز التفكير بما فعلوه في الماضي ، طلقاء من أن نقيدهم بشعور سلبي ينطلق من داخلنا ، طلقاء بكل ما تعنيه الكلمة ، فالاستمرار بالتفكير يعني أن أسمح للموقف أو للشخص بالتحكم في ذاتي ومشاعري وأفكاري ووقتي .. هنا يجب التوقف ويجب أن ننتبه من أن يدير دفة تفكرينا وعواطفنا بل حياتنا ككل شخص أو موقف.التسامح هو تنقية للقلب ورقي للروح ودواء للجسد وراحة للعقل ، حيث انك تملك القدرة علي مسامحة نفسك والاخرين وأحداث الماضي وظروف الحياة والبيئة التي نشأت بها وغير ذلك ، إنك تملك القدرة علي التسامح والبدء من جديد ، فقط ثق بذلك وارغب رغبة صادقة ،واجه نفسك وانظر إلي عينك وقل لها "انا ارغب بالتسامح مع نفسي والاخرين واحداث الماضي" كرر ذلك علي أسماعها ، راقب ترددات صوتك وضع يدك علي حنجرتك ، ربما تلمح خوفاً أو عدم الثقة من البوح برغبتك في التسامح ولكن واصل رحلتك ربما تشعر بعدم الرغبة في إكمال تلك الرحلة لانها خارج دائرة راحتك ولكن كن اكثر إصرار علي المواصلة ، استمرارك بتلك المواجهة يوميا لتزيل العوائق الموجوده في العقل الباطن تجاه عملية التسامح .
ماذا سينتج من تسامحك مع ذاتك والاخرين وظروف الحياة؟ماالذي ستجنيه من خوض غمار رحلة الغفران؟
- أنك ستجني من محاولات العفو والتسامي ثمرات مختلفة وعلي شتي جوانبك الحياتية ، وستجد النتائج ظاهرة علي نفسيتك وصحتك الجسدية وعلي مستوي روحانيتك وسلامك الداخلي وستلاحظه جليا في تطور إنجازك وعملك وفي تحسن علاقاتك
- يساعدك التسامح علي التحرر من المشاعر السلبية التي أقلقت منامك كثيراً ونغصت يقظتك وأورثتك الشعور بالثقل والتعب واستنزاف الطاقة .
- ممارسة العفو والتسامح تساعدك علي حدوث النضج العاطفي والجسدي والعقلي وارتفاع مؤشرات الوعي ، لا علاقة للنضج والوعي بالعمر ، فهناك من يكون في العشرين ووعيه أفضل ممن هو في الاربعين والعكس ايضا ، وذلك المزيد في الوعي والنضج الذي سيكسبه الشخص من رحلة الغفران ستصب في قناة الإنجاز والتطوير والعطاء ، وبالتالي يصبح الإنسان المتسامح هو الاكثر عطاء وإنجاز ونفعا من ذلك المشغول بحقده.
- حدوث عملية الغفران يجعل النفس في حالة من السكون والطمأنينة ، فتجده أكثر روحانية واكثر فهما لمقاصد العبادات وأكثر تعظيما للشعائر ، فتكون نقي القلب وسليم الفكر ومرتاح البال والخاطر. أن اسامح لا يعني بالضرورة أن أنسي الإساءة وكأن شيئاً لم يكن ، أن أسامح لا يعني أن أتقبل السلوك المزعج من الأخر وكأني أخبره افعل ماشئت وهذا المفهوم السائد الذي يجعل الكثير يرفضون التسامح .
3 مراحل عليك اجتيازها لتتم رحلتك للغفران
- المرحلة الأولي :التصالح مع الذات
كيف اسامح ذاتي ؟ كشفت الدراسات أن مسامحة الذات تعمل علي الحد من الشعور بالذنب ، ويمكن أن تقضي علي حاجتنا إلي تجنب الشخص الذي أخطأنا في حقه ، وزيادة قدرتنا علي الاستمتاع بالحياة ، وتقلل من ميلنا إلي معاقبة الذات أو التصرف بأي طريقة من شأنها تدمير الذات، أقسي المشاعر التي نمر بها حين لا نتسامح مع ذواتنا ،هي مشاعر التأنيب والشعور بالذنب حيث انها تشتت من تركيز الشخص وتحد من قدراته وانفتاحه علي الحياة
الخطوة الاولي التي يجب ان نتبناها هي تحمل كافة المسؤولية والتبعات التي تركتها سلوكيتنا سواء كان هذا الأثر علينا أو علي الأخرين فمحاسبة النفس عملية مهمة ولكن حاسبها بهدف التقويم والتصحيح ولكن لاتحاسبها بهدف اللوم والتأنيب.
التسامح مع صفة فيك أو سلوك تصرفت به سابقا ولم يعجبك ، حدد صفة لا تعجبك في ذاتك أو تصرف قمت به وأنت غير راض عنه الأن ، ثم قرر أن تسامح نفسك عليه ، اخبرها أن ذلك كان أفضل خيار متواجد بالنسبة لك في تلك اللحظة، وقرر أن تتصرف بسلوك مغاير إعلانا عن تسامحك مع ذاتك
ساعد شخصاً اخر في أن يقوم بمسامحة ذاته ، عندما تساعد شخص لمسامحة ذاتك يساعدك تلقاءي علي التعاطف مع ذاتك ومسامحتها حيث تكون اكثر قدرة علي التقبل والانفتاح .
- المرحلة الثانية : العفو عن الاخرين
نحن لا نرفض التسامح مع النفس أو الاخرين أو الظروف إلا في حالة وجود ترسبات وتراكمات داخلية واذا تم التشافي منها سيكون باستطاعتنا التسامح ، من الصعب مسامحة شخص ماعندما يجرحك، فبالإضافة لشعورك بالغضب والإحباط، سترغب أن يشعر الشخص بنفس الألم الذي تشعر به ولكن ذلك لن يغير شيئا ولن يجعل الأمور أفضل، ولن يصلح أي قدر من الغضب والكراهية ما قد تضرر، في الواقع، كلما زادت المشاعر السلبية التي تتمسك بها، زادت صعوبة الشعور بالتحسن، والمسامحة فقط ستمكنك من تحرير نفسك وعقلك لإيجاد حل للخروج من هذا الموقفعندما تمر بمراحل الغفران، ستتمكن من إصلاح العلاقات وإنقاذها، عندما تعرف كيف تسامح شخصاً وتتغلب على المرارة التي خلفها الموقف،الغفران يكون دائماً إختياراً وليس إكراهاً، وعندما تختار أن تسامح شخصاً أساء إليك، فإن تصرفات وأفعال الشخص الآخر تفقد تأثيرها على روحك وعقلك لأن الغفران تعبير عن سيطرتنا الشخصية على أفكارنا ومشاعرنا وحياتنا،أن مسامحة الآخرين ليست أمرا هيناً لكننا نحتاج إلى الغفران لأنه يحررنا من الألم والكراهية والسلبية، إن مسامحة الآخرين عملية وليست شيئاً يمكنك القيام به على الفور، وتتكون من 4 خطوات مهمة
مرحلة الاعتراف
تتطلب المرحلة الأولى من عملية الغفران أن تتعرف على ألمك الداخلي وتتعايش معه وتعالجه، عبر عن مشاعرك وحاول التعرف عليها ، تجبرك هذه المرحلة على مواجهة مشاعرك ومواجهة التجربة والألم الداخلي لفهم ما تمر به تماماً، وعندما تتمكن من فهم الموقف ومن فهم عواطفك بشكل كامل، يمكنك بدء عملية الغفران التي ينبغي أن تمكننا من التعامل مع جميع المشاعر السلبية مثل الغضب والقلق وتدني إحترام الذات وإنعدام الثقة، وكلما زاد الألم الذي عانيت منه إحتجت أكثر إلى مسامحة نفسك والآخرين من أجل تحقيق الشفاء العاطفي.مرحلة اتخاذ القرار
بمجرد التعامل مع مشاعرك الداخلية، يمكنك الآن بدء عملية الغفران ،إن اتخاذ قرار فعلي بمسامحة شخص أساء إليك هو إحدى المراحل الأساسية للمسامحة الفعلية، ورغم أنه ينبغي علينا إختيار مسامحة شخص ما، إلا أنها غالباً ما تكون عملية طبيعية، ففي معظم الأوقات، نقرر مسامحة الآخر لأننا أدركنا في وقت ما أن المشاعر السلبية لا تفيدنا بأي شكل من الأشكال،تبدأ المرحلة الثانية عندما ندرك أن الغضب أو الاستياء لا يجعلنا نشعر بتحسن تجاه ما حدث، نحن بحاجة إلى الغفران لأن مثل هذه المشاعر الصعبة والمدمرة يمكن أن تؤثر على صحتنا الجسدية وإستقرارنا العقلي وتوازننا العاطفي وتمنعنا من بناء العلاقات.مرحلة العمل
ستلزم هذه المرحلة إعادة صياغة قصتك وإكتساب منظور جديد وإلقاء نظرة على الحادث من وجهة نظر الشخص الذي آذاك، يمكن أن يساعدك هذا في أن إكتساب نظرة أكثر موضوعية وفهم أفضل للموقف، يمكن أن يساعدك هذا أيضا في إدراك الشيء الذي أدى فعليا للموقف الذي عشته،هذه إحدى مراحل التسامح التي تتيح لك أن تكون أكثر تعاطفاً ورحمة وإنسانية، وهي المرحلة التي تجعلك تقبل كون ألمك الداخلي جزءا من الحياة وتتخلى عن أي ذرة من الغضب أو الكراهية التي تحملها بداخلك.مرحلة التعمق
بعد أن تبدأ العمل على مسامحة شخص أساء إليك، ستختبر فوائد التخلص من المشاعر السلبية على غرار الإستياء والغضب والقلق ،سيساعدك هذا أيضاً على فهم المعنى الحقيقي وراء تجربتك السلبية ومعاناتكستدرك كيف أدت هذه التجربة بأكملها إلى تحرير نفسك الداخلية وكيف تطورت كإنسان وكيف ارتقى قلبك وعقلك وروحك وكل هذا يأتي مع قدرتك على الغفران، يمكن أن يكون البحث عن المعنى وراء معاناتنا عوناً كبيراً لأنه يساعدنا على الشعور بالغاية من الحياة.
- المرحلة الثالثة :التسامح مع ظروف الحياة
ان تذمرك ورفضك لما هو ليس في محيط قدرتك علي التغيير ، يجعل أمر تفاقم السلبيات في حياتك أكثر وأكثر، اجعل بؤرة تركيزك علي ما يمكنك إصلاحه وتعديله لا علي ما يمنحك شعور العجز، إن الخطوة الأولي للتصالح مع الماضي وظروف الحياة هي التسليم والرضا وأن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، فتعميق مفاهيم الإيمان عامل مهم جدا في التعامل مع صراعات الذات ومخاوفها ورفض التسليم بالواقع .الخطوة الثانية التفكير بما هو ممكن ومتاح وعدم جعل التركيز محصورا علي المعوقات ،دون النظر إلي ثقوب الأمل وبصيص الضوء الذي يلوح مبشرا للفرج ، يكمن سر التصالح مع ظروف الحياة في رؤيتك للجانب المشرق من كل ظرف وضعت فيه ، الماضي هو ملف خبراتك السابقة الذي يساعدك في عيش اللحظة والمستقبل ، وإنه رصيد المعرفة الذي لا يمكنك أن تعوضه أبدا ولكن احتفظ بدروسك منه ، قمة التصالح أن تكتب خلاصة خبراتك ، اكتبها لنفسك أو للاخرين ، اكتبها لأن خبراتك قيمة وحياتك تستحق.